الأحد، 3 مايو 2009

عيد الشغل: رؤية للمستقبل



الرأي الآخر

عيد الشغل: رؤية للمستقبل

بقلم: عبدالسلام بوعائشة
في زمن تراجع الحس التاريخي لدى العمال وتغول نظم القهر الاقتصادي وتعاظم تأثير سياسات الدعاية الرأسمالية أصبح عيد الشغل - تقريبا- مجرد مناسبة للتمتع بيوم للراحة خالصة الأجر ويقتصر الاحتفال به على موكب رسمي يرفع التهنئة للعمال وقادتهم و تعلن فيه بعض الإجراءات لفائدتهم إلى جانب بعض المواكب العمالية الباهتة تتخللها كلمات - لا بد منها- للمسؤولين النقابيين يقيسونها على قدر مواقعهم بين العمال وأرباب الأعمال ويحرصون خلالها على الإشادة بالدور التاريخي للطبقة العاملة ونضالاتها ضد الاستغلال والقهر الرأسمالي ويدعونها لمزيد التلاحم والتضامن دفاعا عن مصالحها ومكاسبها.أما جموع العمال فهم يكتفون بالاسترخاء في انتظار دورة جديدة من العمل اليومي.التوصيف بسيط ولكنه واقعي جدا.
لا أريد التنغيص على الاحتفال والمحتفلين ولكن أريد أن ألاحظ أن واقع العمل و واقع العمال و واقع رجال الأعمال وقبل كل هذا وبعده واقع الإنتاج والإنتاجية في بلادنا صار يستدعي الترفيع في مطلوبات الاحتفال عبرالسعي للخروج به من روتين العادة التي لا تلتفت للمتغيرات الجارية إلى فضاء التأمل العميق في ما صارت إليه منظومة الإنتاج عامة و واقع العمال في مقام التخصيص لأن الدراسة الموضوعية والعميقة ستمكننا من إدراك حجم التآكل والتشوه الذي أصاب كل عنصر من عناصر هذه المنظومة.فالعمل الذي هو جوهر الواجب الإنساني أصبح- نتيجة ندرته- مجرد حق يقود إلى الانتفاع بالأجر ويحتال طالبه بكل الطرق للحصول عليه وليس مهما أن يكون هذا العمل منتجا أو غير منتج,مفيدا للمجموعة الوطنية أو غير مفيد ولذلك نرى سوق الشغل تكتظ بآلاف المهن التي ظاهرها عمل وجوهرها بطالة مقنعة إن لم تكن جريمة يعاقب عليها القانون.والعمال المنتجون- و بفعل تبدل مراتب مهنهم في المجتمع- صاروا مهمشين ماديا واجتماعيا ويزيدهم التناول الإعلامي المتخلف لقضاياهم إحساسا بالدونية والغبن فيتراجع أداؤهم ويقل إنتاجهم وقد يهجر بعضهم المهنة طلبا للإنصاف الاجتماعي فيلتحق بمهن أكثر بريقا وكسبا وإن كانت أقل إنتاجا للمجموعة الوطنية .أما رجال الأعمال ونساؤه وإن كانت أعدادهم المعلنة بالآلاف فإن غالبيتهم يسترزقون من أنشطة لا ترتقي لتقدم قيمة مضافة للإنتاج الوطني اللاهم إلا ما قد يوفروه من مواطن شغل هشة وهامشية غير منتجة و في الغالب ينتصب هؤلاء في مجالات الوكالة التجارية والسمسرة والمضاربات والتجارة الموازية والتهريب وخدمات الحراسة والأمن والتشغيل والحفلات ويطبعون محيط أعمالهم بجملة من العادات والمظاهر التي قد تنعكس سلبا على مجمل جهد الإنتاج الوطني خاصة على المستوى البعيد.
إن ما تم عرضه مختصرا حول واقع قيمة العمل وواقع العمال ورجال الأعمال مضافا إلى معضلة العاطلين رسميا عن العمل وهم بالآلاف وتداعيات كل ذلك على المستقبل إنتاجا واستقرارا يدعو فعلا من موقع المسؤولية الوطنية إلى مراجعة الفلسفة المعتمدة في تعريف العمل والشغل وربط ذلك التعريف بالإنتاج وبمبدإ القيمة المضافة للاقتصاد الوطني كما يدعو لمراجعة سياسة التشغيل عبر ربطها بهدف تعزيز جهد الإنتاج الوطني حتى لا يكون الشغل هدفا في حد ذاته بل وسيلة يعود نفعها على الفرد وعلى المجموعة الوطنية ككل ,من جهة أخرى وعلى نفس القدر من الأهمية لابد من مراجعة خطط التربية والتعليم والثقافة والشباب والأسرة في اتجاه إرساء و تعزيز ثقافة الإنتاج والعمل الإيجابي والسمو بمبدإ الصالح العام والمصلحة المشتركة وتجذير فكرة المواطنة الواعية والفاعلة ولسنا نرى من سبيل أفضل وأقوم لتحقيق ذلك من تفعيل الدور التاريخي الذي اضطلعت به مؤسسات القطاع العام سواء في الحقل التربوي أو في حقول الإنتاج والاقتصاد والتوجيه الإعلامي والثقافي خصوصا وأن هذا الدور تتزايد الحاجة إليه في ظل الأوضاع الاقتصادية المفروضة على عالمنا اليوم.


( صحيفة "الوطن" العدد 83 الصادر في 1 ماي 2009 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق