الجمعة، 15 مايو 2009

معركة الاستقلالية.. الأخيرة



النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين

معركة الاستقلالية.. الأخيرة

بقلم : عادل البرينصي

nemeri01@yahoo.fr

خوف، جبن، خيانة، عمالة، تواطؤ، عجز، انتهازية، تملق، أنانية، بطولة، تضحيات، استقلالية، صمود، وفاء، إيمان... كل هذا صحيح.. ضع كل كلمة في المكان المناسب وستجد أنها تطابق الواقع.

ويجب أن يكون الواقع أيضا، أن المرء لا يخوض معركة من أجل أن يخسرها، فالمحافظة على هيكل مستقل وشرعي كالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين هي الاختبار الأخير، ليس لمفهوم الاستقلالية (بمعناها النقابي) بل للمهنة الصحفية برمتها.

هذا هو الهزيع الأخير، وهو قد يكون فرصة لمنعطف تاريخي حاسم... وأخير، لوضع نهاية لهيمنة الإدارة (ومن ورائها أشخاص ربما يختلفون في توجهاتهم ولكن يتحدون في غاياتهم) على المهنة الصحفية، أو قد يكون الفصل الختامي لحلم راود بعض الصحفيين عند تأسيس نقابتهم والذين قد يجدون أنفسهم ومن خلفهم كل الصحفيين وكامل أفراد المجتمع المدني مضطرين إلى قبول الهيمنة على شؤونهم مرة أخرى... وإلى الأبد.

وقد يعني وضع نهاية لتدخل الإدارة في شؤون النقابة، حلا عادلا يملي على الإدارة والأشخاص الذين يمثلونها قبول مقررات ما يسمى بالشرعية الانتخابية، ولكنه قد يعني بداية النهاية لهيمنة الإدارة على نشاط كل هيكل مستقل وعلى عدم التدخل نهائيا في المحاولات الانقلابية وتقنين مكونات المجتمع المدني والمنظمات النقابية.

الأمر يعتمد علينا، نحن الصحفيون، على مدى شجاعتنا... على ما إذا كنت جريئا إلى حد الوقاحة... ثم على ما إذا كان استعدادنا للتضحية من أجل قضية عادلة، استعدادا حقيقيا، لا مجرد ادعاءات وعنتريات كاذبة.

أن تكون موازين القوى مختلة تماما، فتلك هي اللعبة في الأصل. فالموازين لم تكن إلا مختلة دائما، والمواجهة ضد الإدارة وأصحاب المصالح هي مواجهة مختلة الموازين على طول الخط... ولكن النصر حليف الجريء... النصر للشوكة التي لا تنكسر.. النصر للعين التي تقاوم المخزر.

وإذا قيل قديما إن التاريخ يكتبه المنتصرون حسب أهوائهم، فإنه في عهد السماء المفتوحة يمكن للجريء أن يكتب التاريخ حتى لو انهزم أو انقلبوا عليه... وهذه المعركة الأخيرة... لماذا ؟

1. لأن الإدارة تريد أن تقضي على كل نفس مستقل داخل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، هذا هو المعلن وهذا المرغوب فيه.

2. لأن هذا الفصل الأخير من "المحاولات" الاستفزازية وتضييق الخناق وقطع المساعدات وتشنيج الأعصاب وتجييش الأتباع.. لم تحقق انتصارا، والمطلوب من الإدارة أن تحقق نصرا ولو بممارسة أساليب الترهيب والترغيب ولو حتى بالانقلاب على الشرعية والتضحية بكل الخطوات المحتشمة لممارسة الديمقراطية بالبلاد.

3. لأن الصحفيين، وليس كلهم في أعلى مستويات الانحطاط والضعف والوهن واللاوعي بما يجعلهم "مؤهلين" للتوقيع على أي شيء ولقبول أي "وضع".

4. لأن الإعداد لإنجاح المحطات السياسية المقبلة يتطلب مكاسب وإنجازات ومساندات كبرى... و"الحل" في كسب تأييد الصحفيين وهيكلهم وتقريرهم الذي يمثل أبرز النجاحات.

5. لأن الإدارة صارت ترى بوضوح، بعد بروز توجه مستقل وقوي للصحفيين، أنها لم تعد تستطيع العيش تحت الانتقادات

6. لأن الفشل يعني انهيارا شاملا لأحد الطرفين.

المعركة بهذا المعنى، هي معركة مصير، لا تسويات فيها ولا حلول وسط، فالحلول الوسطى تعني ضعفا وإظهار الضعف أول الانهيار.

والمعركة صعبة على الصحفيين وعلى رئيس نقابتهم وعلى كل تيار مستقل داخل الصحفيين:

1. لأنها تدار في ظل حصار شامل

2. لأنها لا تنتظر عونا خارجيا من أي أحد، حتى البيانات المساندة من المنظمات المهنية العالمية يمكن اختراقها

3. لأن الإدارة، بعد تقرير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين حول وضع الحريات الصحفية في تونس، لا تستطيع مواجهة تقرير آخر، وهو ما يعني أنها مستعدة لأن ترتكب حماقة، ليست الأساليب الترهيبية التي تستعملها في الوقت الحالي سوى مزحة.

4. لأن الصحفيين، حتى المستقلين، منشقين على أنفسهم بسبب جسامة خيار الاستقلالية نفسها.

5. لأن المنظمات الوطنية والأحزاب المعارضة ومكونات المجتمع المدني، مع بعض الاستثناءات، من دون ضمير وهي تسارع إلى إلقاء اللوم على الصحفيين المستقلين إذا شعرت أن مصالحها بدأت تتضرر ماديا أو معنويا، ولكنها ستماطل طالما كان الأمر في صالحها.

6. لأن الإدارة إذا شعرت بالحرج ستسارع إلى القيام بأعمال تحفظ لها ماء وجهها وتخرجها منتصرة دائما.

آخر شيء يمكن أن نسمعه ممن يحمل بطاقة صحفي محترف ويعتبر "قائد رأي" هو أنه لم يكن يعرف هذه الحقائق... وآخر شيء يتمناه الصحفيون هو أن يلين الموقف ويرجع الوئام والوفاق بين الإدارة والصحفيين... وآخر شيء تحتاجه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين هو أن يتوقف الصحفيون عن المطالبة باستقلاليتها من أجل بقائها في منتصف الطريق.

المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين هو المكتب الشرعي والرئيس الحالي هو الرئيس الشرعي، وهم الذين أرادوا أن يمدوا أيديهم للإدارة من أجل مصلحة المهنة وحقوق الصحفيين وسمعة البلاد.. هم الذين سعوا جاهدين، رغم حجم الضغوطات إلى ربط الصلة بين الإدارة والنقابة من أجل مصلحة القطاع... وهم الذين عانوا من التضييقات منذ أول يوم باشروا فيه مهامهم. تضييقات بدأت بالتسويف والتشويش وبشق الصفوف وبالعرائض وبالكذب والنفاق لتصل إلى التهجم والشتم وتزوير الحقائق وبشيطنة الأشخاص وبضربهم حتى في شرفهم...

ألم يقل الموالون للإدارة بأن كل شيء في "الحرب المشروعة" جائز؟ لقد أجازوا الحرب والمعركة واعترفوا بأنهم لا يريدون لهذه النقابة الفتية أن تنشأ مستقلة، فخيروا في الأخير الانقلاب عليها ولو استعملوا في ذلك جميع القذارات ووسائل التهديد والترغيب التي يدركها جميع الصحفيين دون استثناء. وقد قرر المكتب التنفيذي الرد على ذلك بالمواجهة، وبالتالي من الجدير بالصحفي المستقل والجريء أن يواجه أيضا، أن يلقي بنفسه على قلمه أحسن ألف مرة من أن يظل تابعا ويتحول إلى مسخرة أمام نفسه ومجتمعه... وأمام التاريخ.

وبما أن الصحفيين اختاروا أن يخوضوا هذه المواجهة بجرأتهم، فمن الأولى بهم أن يخوضوها حتى النهاية بصوت واحد "إما استقلالية وإما فلا".. لا حلول وسط ولا تراجع ولا وقفة محاسبة أو تأمل في منتصف الطريق والنصر ممكن... بل أكيد جدا إذا أراد الصحفي التونسي الحرية والاستقلالية..

قد تبدو المواجهة مع الإدارة حماقة خالصة إلا أن كل المواجهات ضد التسلط والهيمنة كانت في بدايتها حماقة ولكن لا بد منها... والنصر كان دائما حليف الجريء على المواجهة وقول الحقيقة، لا الجريء على الخداع والتآمر والانقلاب... هكذا كان الأمر دائما وهكذا سيكون...

والنصر كما ذكرت ممكن بل أكيد:

1. لأن الأكاذيب والمؤامرات والدسائس والخداع التي تمارسها الإدارة يمكن أن تنقلب عليها، وأحسن دليل على ذلك نتائج انتخابات المؤتمر الأول للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بعد فشل الإدارة في تدجين جميع الصحفيين وفشلها في المراهنة على بعض "الصحفيين" الذين لم يستطيعوا أن ينفعوا أنفسهم، فكيف سينفعونها، إضافة إلى أن التباين الفاضح بين ما تصرح به الإدارة وما تفعله لن يزيدها إلا عزلة وفضيحة.

2. لأن الصحفي الشريف المستقل، متى كان صادقا، يمكن أن يفضح جميع الألاعيب والنفاق الإداري والتجاوزات القانونية والأخلاقية.

3. لأن الانقلاب لا يحسم معركة ولا يكسر إرادة

4. لأن الإدارة أحرص على سمعتها وهيبتها من الصحفيين، ولديها ما تخشى خسارته، الصحفيون المستقلون وأصحاب الوضعيات الهشة على حد تعبير الزميل محمد بن صالح ليس لديهم ما يخسرونه

5. لأن المئات من الصحفيين سيتمسكون بحقوقهم وباستقلاليتهم، وذاك أضعف الإيمان.

6. لأن المواجهة والتمسك بالحق ستجلب مواجهة مثلما يستجلب الجبن جبنا والمساومة ميلا إلى المزيد منها.

7. لأن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ليست وحدها إذا واجهت، وبدلا عن الانقلاب على المكتب الحالي، يجب الانقلاب على جميع وعود الديمقراطية والتعددية واستقلال العمل النقابي واحترام مكونات المجتمع المدني، بل يجب الانقلاب على كل الشرعية.. حتى شرعية وجود الإدارة.

الصحفيون المتمسكون باستقلالية نقابتهم، يحتاجون مثالا للمواجهة الجسورة هم أيضا. وكلما كان ذلك المثال صارخا كلما كان أفضل، وعندما ترتعد الفرائص سنرى أي منقلب ينقلبون. فحين يروج أتباع الإدارة ومحترفو الانقلابات وكتابة التقارير المضللة، بإمكانية استقالة المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، وإعلان ذلك على لسان رئيسها يكونون بذلك قد وفروا فرصة، من أعظم فرص التاريخ، لوضع حد للمشكلة.

فقولوا لهم انتظروا.. تعالوا يا أصحاب الإشاعات وفاقدي الشخصية، يا بيادق لتروجوا ماتشاؤون.. قولوا لهم تعالوا يا أشباه الصحفيين، يا عرّة المهنة.. ماذا ستلقنونا ؟.. دروس النفاق والكذب والتذلل؟؟ سنلقنكم من دروس الحقيقة والتمسك بالاستقلالية ما لم تعرفوا.. ونتمنى لكم أن تعرفوا...

اصرخوا في وجوههم، تعالوا يا متسلقين.. يا دخلاء على المهنة...

إننا هنا لمتمسكون باستقلاليتنا وبكرامة مهنتنا وشرفها... تريدون مواجهة.. وعلى مواجهة ستحصلون..

فهذا هو هزيع المواجهة الأخير.. ومن الأرحم بعد كل هذه الضغوطات والممارسات التعيسة، أن تكون الأخيرة.. ومن المفيد لكلينا معا أن تكون الأخيرة.

ما من أحد يختار أن يكون ذليلا في بلده ومهمشا في عمله.. فإما مهنة مشرفة ونقابة مستقلة.. وإما هزيمة بشموخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق