الثلاثاء، 24 مارس 2009

القيادة النقابية تواجه تحدي التداول

جريدة الموقف عدد 487 بتاريخ 27 فيفري 2009
القيادة النقابية تواجه تحدي التداول
فتحي الرحماني

يلقي الفصل العاشر من النظام الداخلي للإتحاد العام التونسي للشغل بظلاله على كل مناسبة إنتخابية داخل المنظمة ، ويتخذه كثير من النقابيين مطية لتفسير بعض القرارات والإجراءات التي تصدر عن القيادة النقابية.
وينص هذا الفصل الذي تضمنه النظام الداخلي المصادق عليه من الهيئة الإدارية الوطنية التي انعقدت بنزل أميلكار في 22/23 نوفمبر 2007 في فقرته الأولى على ما يلي "يتركب المكتب التنفيذي الوطني للإتحاد العام التونسي للشغل من ثلاثة عشر عضوا (13) يتم إنتخابهم من قبل المؤتمر بالإقتراع السري لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة " . ويعني هذا الفصل أن أغلب أعضاء المكتب التنفيذي الحالي – باستثناء أربعة – سيجدون أنفسهم خارج دائرة التنافس في المؤتمر القادم .
و يبدو أن تواطؤا غير معلن بين مختلف النقابيين لم يسمح بالتداول العلني أو بخوض في مثل هذه القضايا ، حتى أصبح الفصل العاشر من المسكوت عنه أو من المتروك وربما المنسي المهمل ، وإقتصر الأمر على توجيه الإتهام للقيادة النقابية وتصفية خصومها من حين لآخر على خلفية تمهيد الطريق نحو الإلتفاف على هذا الفصل، أو الإكتفاء بطرح الموضوع في كواليس الجلسات الخاصة أو المنابر الضيقة ، والحال أن الأمر يقتضي نقاشا جريئا وعلنيا ورصينا بعيدا عن الحسابات الفتؤية أو الشخصية ، وبعيدا عن عقلية المؤامرة .
وقبل الخوض في تفاصيل ما أسميناه محنة الفصل العاشر لابد من التذكير ببعض الحقائق العامة المتعلقة بالمنظمة وملابسات اتخاذ مثل هذا القرار :
لايشك أحد في ديمقراطية الإتحاد سواء في قدرته على إدارة الإختلاف ، أو في دفعه للقوى المتناحرة في الأصل نحو العمل المشترك وإدماجها في مختلف هياكله، أو في آليات إتخاذ القرار أو في تكريس فكرة التداول على المسؤولية خاصة في المكتتب التنفيذي الوطني والهياكل القاعدية .
 لابد من التذكير بأنه ولسينوات متعاقبة يتم تجديد القيادات النقابية بنسب محترمة، في مقابل الكثير من المنظمات والهيئات والجمعيات وحتى بعض الأحزاب في المعارضة التي عجزت عن تجديد نفسها أو هياكلها أو قياداتها، حتى إقترن وجودها أو فعاليتها بوجود أشخاص بعينهم على رأسها .
التحلي بالجرأة الكافية لطرح مشكلة الفصل العاشر طرحا رصينا مسؤولا وعلنينا في مختلف الهياكل من النيابات النقابية حتى المكتب التنفيذي الوطني ، وفي كل المحطات الانتخابية والنضالية وصياغة مواقف محددة وواضحة منه ومن تداعيات تطبيقه في هذه المرحلة
 إن العقلية السائدة عند الكثير من النقابيين تحمّل المنظمة النقابية ربما أكثر من طاقتها، فنحن نريد منها أن تكون نموذجا ومثالا في كل شئ، وكأن إتحاد الشغل واحة معزولة لا تتفاعل ولا تتأثر بمحيطها ، فكيف نكون راديكاليين داخل المنظمة وإصلاحيين أومهادنين خارجها ؟ وكيف نطالب بإصلاح المنظمة وهياكلها وقوانينها ونتشدد في ذلك ، ونسكت في الوقت نفسه عن المطالبة بالإصلاح في مجالات حيوية أخرى تهم حياتنا ومصيرنا ؟
 إن فكرة التداول على المسؤوليات وديمقراطية العمل النقابي عموما ، بما في ذلك الفصل العاشر، من المطالب المعقولة التي ينبغي التمسك بها ودعمها ولكن ينبغي تنزيلها في سياق أشمل وتجنب الإرتجال في طرحها أو على الأقل عدم التسرع أثناء تطبيقها , فالجميع يذكر السياق الذي إنطرح فيه الفصل العاشر في مؤتمر جربة وهو سياق سياسي بإمتياز، فكان التمسك بدورتين في المكتب التنفيذي لا غير ردا من النقابيين على مشروع تنقيح الدستور آنذاك ، أي أن هذا الإجراء يوجه رسالة سياسية إلى أطراف خارج المنظمة أكثر مما هو موجه إلى الداخل النقابي .
أردنا الإنطلاق من تلك الملاحظات لنبني عليها قراءتنا لما أسميناه محنة الفصل العاشر ، فالذي يبدو أن هذا الفصل حاضر في الأذهان وإن لم ينطق به اللسان . ويبدو أنه يوجه الكثير من السلوكات والعلاقات داخل هياكل المنظمة ، وربما يكبل إرادة الفعل ويعيق الكثير من الأنشطة لأنه يقدم الحسابات على النضالات . ولذلك أعتقد أنه من المفيد للجميع ، للتحرر من وطأة هذا الهاجس ، الخوض فيه علنا ليس على صفحات الجرائد أو على المواقع الإلكترونية فقط، وإنما داخل الهياكل وفي مختلف المناسبات النقابية كالإجتماعات العامة والمؤتمرات وغيرها حتى لا يتحول الفصل العاشر من مكسب يفتخر به النقابيون والمنظمة إلى سيف يسلطه بعضنا على بعض أو عبئا يثقل كاهل القيادة النقابية .
ثم علينا أن ندرك أن القوانين ليست صيغا جامدة وإنما هي نصوص لها روح ومقاصد يجب تحقيقها من خلال التطبيق، وفي نظري أن غاية الفصل العاشر تكمن في دفع الخيار الديمقراطي داخل المنظمة وتعميقه . والظن كل الظن أن نص الفصل العاشر بصيغته الحالية و حديته لا يحقق تلك الروح لأسباب منها :
 أنه حصر عدم إمكانية الترشح لأكثر من دورتين في المكتب التنفيذي الوطني، ولم يتم تعميم هذا الإجراء على بقية الهياكل القطاعية أو الجهوية أو المحلية، وكأن ما يعيق الديمقراطية في المنظمة هو هياكلها العليا وقيادتها الوطنية .
 إن هذه الصيغة التي تضمنها الفصل العاشر تنطلق من فرضية مغلوطة أو من تصور مقلوب يعتبر أن الاصلاح يمكن أن يكون فوقيا, ومن ثمة يتم عزل المكتب التنفيذي الوطني عن بقية الهياكل ، فما الذي يعنيه تجديد القيادة إذا كانت ستعمل مع هياكل أخرى محنطة لا مشملها القانون وتأبى هي التزحزح عن مواقعها . فلتقارن فقط نسبة التجديد في المكتب التنفيذي الوطني في المؤتمرين الأخيرين على الأقل قياسا إلى نسبته في المكاتب التنفيذية الجهوية مثلا، لنفهم أن فكرة التداول والديمقراطية لا تحضر إلا في أعلى هرم الإتحاد أو في قاعدته حيث النقابات الأساسية .
 أن السياق العام الذي تمر به البلاد سياق إنتقالي ، لابدى من قراءة مفرداته بدقة وتحديد مقتضياته ولذلك علينا إعادة جدولة أولوياتنا النقابية على ضوء ما تتطلبه المرحلة : فهل نضحي بالقيادة الحالية ؟ أم نضحي بالفصل العاشر ؟ وهل تعميق الديمقراطية داخل المنظمة مقدم على تدعيم نضاليتها وحماية استقلالها ؟ و ما معنى أن تفعل قوانين و تبقى أخرى مهملة ؟
 أن قوانين المنظمة وهيكلتها ربما تحتاج إلى تحيين وإصلاح ومراجعة شاملة لا تخص الفصل العاشر فقط ، وهذا يتطلب أياما دراسية ولجانا وورشات عمل تقدم تصورات ومقترحات تتم مناقشتها بتمعن في مختلف الهياكل قبل إقرارها .


علينا أن ندرك أن القوانين ليست صيغا جامد وإنما هي نصوص لها روح ومقاصد يجب تحقيقها من خلال التطبيق
 أن إستثناءات كثيرة وقعت في تاريخ المنظمة تم فيها التعامل بمرونة مع الهيكلة والنظام الداخلي والقانون الأساسي وفق ما تقتضيه المرحلة ومصلحة المنظمة (إستحداث منصب رئيس الاتحاد في مؤتمر قفصة لرفع الإستثناء عن الحبيب عاشور ، إنتخاب الحبيب عاشور أمينا عاما للاتحاد بالاجماع من طرف المؤتمرين مباشرة في سنة 1984 لهذه الأسباب يبدو لي أن الفصل العاشر على مبدئيته وأهميته قد جاء متسرعا ومبتورا ، بل إن تطبيقه في هذا الوقت قد يكلف المنظمة النقابية خسائر ربما تحتاج معها لسنوات حتى تتعافى منها، من ذلك أنه سيفقدها الكثير من الكفاءات المشهود لها في مجالات مختلفة داخل تونس وخارجها، وسيجعل الآداء النقابي محدودا ومكبلا وسيعمق الشروخ بين النقابيين بما قد يهدد وحدة المنظمة وبقاءها ويحدّ من نجاعتها ويقلص حضورها في الحياة العامة ، وسيجعلها تنكفئ على نفسها فتأكل أبناءها، وسيفسح المجال واسعا أمام الحسابات الضيقة على حساب مصالح الشغالين وإنتظاراتهم .
ثم إن تطبيق هذا الفصل لن يحقق الهدف المرجو منه خاصة في ظل وجود هياكل وسطى محنطة وغير قادرة على تجديد نفسها أو رافضة لأي تجديد وعليه أتقدم بالمقترحات التالية لتجاوز هذه المحنة وأدعو كل النقابيين والمهتمين بالشأن النقابي إلى التفكير بصوت مسموع في هذا الأمر لما فيه خيرنا وخير منظمتنا .
 التحلي بالجرأة الكافية لطرح مشكلة الفصل العاشر طرحا رصينا مسؤولا وعلنيا في مختلف الهياكل من النيابات النقابية حتى المكتب التنفيذي الوطني ، وفي كل المحطات الإنتخابية والنضالية ، وصياغة موافق محددة وواضحة منه ومن تداعيات تطبيقه في هذه المرحلة .
 التأكيد على مبدئية هذا الفصل والدفع في إتجاه تعميمه على بقية الهياكل إذا أردنا دعم الخيار الديمقراطي الحقيقي في الاتحاد .
 في ظل عدم إمكانية إلغاء هذا الفصل لمبدئيته ولأنه متمخض عن أعلى سلطة وهي المؤتمر، يمكن دعوة الهيئة الإدارية أو المجلس الوطني باعتبارهما سلطات قرار إلى الإنعقاد وإقرار تعليق العمل بالفصل العاشر وتأجيل تطبيقه في إنتظار مراجعته وتطويره في المؤتمر القادم.
ناشط نقابي و سياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية