الثلاثاء، 24 مارس 2009

قيـادة الاتحـاد والتـداول على المسؤوليـات

جريدة الموقف عدد 486 بتلرخ 13 مارس 2009

قيـادة الاتحـاد والتـداول على المسؤوليـات
إبراهيم العثماني


نشرت جريدة ”الموقف” بتاريخ 27 فيفري 2009 مقالا موسوما ب ”القيادة النقابية تواجه تحدي التداول” بقلم فتحي الرحماني الذي تحدث فيه عن ”محنة الفصل العاشر” من النظام الداخلي للإتحاد العام التونسي للشغل والمسألة الديمقراطية ودعا فيه النقابيين إلى الإسهام في النقاش. وفي المقال جملة من النقاط نختلف فيها مع الأخ الرحماني نريد إثارتها ونرجو منه أن يتقبل آرائنا بصدر رحب.

يؤكد الأخ فتحي الرحماني أن الديمقراطية في الإتحاد حقيقة ثابتة لا جدال فيها. يقول ”لا يشك أحد في ديمقراطية الاتحاد سواء في قدرته على إدارة الإختلاف أو في دفعه للقوى المتناحرة في الأصل نحو العمل المشترك وإدماجها في مختلف هياكله أو في آليات إتخاذ القرار، أو في تكريس فكرة التداول على المسؤولية خاصة في مستوى المكتب التنفيذي الوطني والهياكل القاعدية”.

يبدأ الأخ الرحماني كلامه بالقول ”لا يشك أحد في ديمقراطية الإتحاد”. ونحن نستغرب منه هذه الصيغة التعميمية الإطلاقية. فهل أجرى استبيانا إستنتج منه أن كل النقابيين مجموعون على ديمقراطية الإتحاد ؟ ولنفترض جدلا أنه قام بذلك فما عليه إلا أن يستثنينا لأننا نشك في ذلك. ثم ما المقصود بديمقراطية الإتحاد؟ ويبدو لنا أنه جانب الحقيقة وخالف الواقع. فتاريخ الإتحاد يثبت أن قياداته تعاملت مع معارضيها منذ السبعينات إلى الآن بإستعمال أساليب لا تمت بأي صلة إلى الديمقراطية. فالتجميد والتجريد والزخ بالنقابيين في السجن والتهجم عليهم وتجريحهم هو الأسلوب المعتمد مع قطاع التعليم الثانوي في السبعينات، واليسار النقابي في الثمانينات وقطاع البريد في التسعينات ، والسبب قد يكون إتخاذ قرار لا يرضي قيادة الإتحاد أو تضمين موقف في لائحة داخلية (مناداة قطاع التعليم الثانوي بإرجاع الأساتذة المحاكمين سياسيا في 1974 ، رفض إلغاء إضراب الوظيفة العمومية سنة 1984 ، رفض جامعة البريد تأهيل القطاع). وكم من مرة رفضت قيادة الإتحاد الإمضاء على لوائح صادرة عن مؤتمرات قطاعية وهيئات إدارية ؟ ولا يزال قطاع التعليم العالي يعاني من سلوك قيادة الإتحاد التي أدخلته في نفق مظلم منذ عشر سنوات وعجزت عن تسوية وضعيته وتخليصه من تعددية نقابية وهمية هي مسؤولة عنها أساسا وآخر ما فعلته هو إمضاؤها على زيادات خصوصية طفيفة رغم رفض القطاع لها ودون إستشارة مكتب الجامعة العامة للتعليم العالي وإحترام التضحيات الجسيمة التي قدمها الأساتذة فأربكت القطاع وزادت وضعه تعقيدا. وهل التشفي من أعضاء الإتحاد الجهوي بتونس والانتقام من الكاتب العام ممارسة ديمقراطية ؟ ثم لم التخفي وراء الملف المالي لتغطية حقائق أخرى يعرفها النقابيين؟ وهل النقابيون مطالبون بالإصطفاف وراء شق من قيادة الاتحاد ؟ فعن أي ديمقراطية يتحدث الأخ الرحماني ؟ وإذا كانت قيادة الإتحاد تتعامل بهذه الشدة مع معارضيها فهل دفعت القوى المتناحرة إلى العمل المشترك ؟

إذا كان الكاتب يقصد بالقوى المتناحرة التيارات اليسارية فهي تارة متناحرة وطورا متصارعة ولكنها توحدت أكثر من مرة لمواجهة المركزية النقابية وليس تحت إمرتها. وإن كان يعني بذلك اليمين واليسار فالواقع يثبت أن عناصر من قيادة الإتحاد إنحازت سنتي 1985 و 1988 إلى قوى اليمين في حين شنت حملة شعواء على اليسار النقابي فكرا وممارسة وجريدة ”الشعب” لسنة 1985 شاهد على ذلك.



وتستوقفنا فكرة التداول على المسؤولية في مستوى المكتب التنفيذي والهياكل القاعدية. وهذه الفكرة تحتاج إلى توضيح. فالمتأمل في تشكيلة المكتب التنفيذي الحالي يلاحظ أن بعض الأسماء تتحمل المسؤولية النقابية منذ الثمانينات (دون نسيان فترة ”الشرفاء” التي امتدت من سنة 1986 إلى سنة 1988). فالأمين العام الحالي وعلي بن رمضان إنتخبا في المكتب التنفيذي (ديسمبر 1984). ومحمد شندول ومحمد الطرابلسي (أفريل 1989) ، وعبيد البريكي ومنصف اليعقوبي (1993) ورضا بوزربية (1999). ولقائل أن يقول إن المكاتب التنفيذية تجددت بشكل ملحوظ.


هذا صحيح لكن المطلعين على دواليب الإتحاد يدركون أن المغادرين عرفوا مسارات مختلفة. فهنالك من زج به في السجن ثم طرد (أحمد بن رميلة) ، وهنالك من اضطر إلى الإلتحاق بمنظمات إقليمية (خير الدين بوصلاح، عبد المجيد الصحراوي)...وهنالك مجموعة ثالثة تخلص منها السحباني لأنه إختلف معها أو لم يكن راضيا عن أدائها ، وفي مؤتمر جربة (2002) تم التخلص من المجموعة المحسوبة عليه. فهل يعد هذا السلوك تداولا على المسؤولية ؟ وهل إستمرار أعضاء في المكتب التنفيذي لمدة عشرين سنة أو ربع قرن يسمى تجديدا ؟
أما بالنسبة إلى الهياكل القاعدية فالأمر يختلف لأن أوضاعها غير متشابهة ورهاناتها محدودة.
وبما أن طول المدة وتوظيف المسؤولية في إتجاهات غير نقابية أضعفا أداء الإتحاد وألحقا به أضرارا جمة فقد كان المؤتمر الإستثنائي الذي إنعقد في جربة تحت شعار”التصحيح النقابي” مناسبة لطرح المسألة الديمقراطية ومن بينها تحديد الدورات (الإقتصار على دورتين بالنسبة إلى أعضاء المكتب التنفيذي). لذا لم يكن هذا الطرح متسرعا أو مرتجلا أو رد فعل على سياق سياسي بل يعكس وعيا نقابيا متطورا، ومن الضروري التمسك بالفصل العاشرلتكريس سنة التداول على المسؤولية ولفسح المجال للطاقات المناضلة التي تزخر بها هياكل الاتحاد والتي بوسعها تقديم الإضافة النوعية أداء وفكرا، ولن يخسر الإتحاد شيئا خلافا لما ذهب إليه صاحب المقال وللصورة القاتمة التي رسمها لواقع الإتحاد إن تم تطبيق هذا الفصل، ولأسلوب التخويف الذي اعتمده. فما هي الخسائر التي سيتكبدها الإتحاد نتيجة خروج عناصر من القيادة الحالية بقيت أكثر من اللزوم ؟ وما هو هذا الأداء الذي سنتأسف عليه ؟ إن الزعم بأن تطبيق هذا الفصل سيسبب خسائر جمة لن يتخلص منها الاتحاد سريعا وسيكبل أداء المنظمة ويحد من نجاعتها ويقلص حضورها في الحياة العامة أمر غريب وليس من اليسير فهمه. بالله عليك هل هناك محدودية وتكبيل أكثر مما هو عليه الاتحاد الآن ؟ ولماذا هذه الشخصنة ؟ فهل يتوقف مصير الاتحاد على بعض الأشخاص فيتأزم بغيابهم ويندثر باندثارهم ؟ اغتيل فرحا حشاد وما أدراك حشاد وتواصل النشاط النقابي.

لقد تحول الاتحاد منذ بداية التسعينات إلى هيكل خاو باهت الصورة قليل الفاعلية يقتصر دوره على زيادات تقع كل ثلاث سنوات لا تغني ولا تسمن من جوع. وقد يكون التداول على المسؤولية بداية منعرج حاسم في مسيرة الاتحاد فينخرط في الدفاع عن الحق النقابي والحريات الفردية والعامة ويساند القوى الديمقراطية ويكرس الإستقلالية الفعلية للإتحاد وينادي بتنمية جهوية عادلة ويدعم النقابيين الذين يؤطرون التحركات المنادية بالعدالة الإجتماعية لا يجمدهم مثلما فعل مع المناضل عدنان الحاجي.

إن المطروح اليوم هو التمسك بالفصل العاشر للقضاء على الولاءات والجهويات ونصرة بعض المسؤولين المقاولين ومن الضروري إعداد برنامج عملي يتضمن نقاط أخرى لمزيد دمقرطة هياكل المنظمة بمختلف مستوياتها وليس الدعوة إلى هيئة إدارية أو مجلس وطني للإلتفاف على ما تحقق أو تأجيل النظر في الفصل موضوع القضية لإنضاج الظروف وأي ظروف ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية